سورة المائدة - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


ان يفتنوك: إن يميلوا بك من الحق إلى الباطل. يبغون: يريدون.
نحن نأمرك أيها الرسول ان تحكم بينهم وفق شريعتك التي أنزلناها عليك، فلا تتبع رغباتهم أبداً، ولو لمصحلة في ذلك، كتأليف قلوبهم وجذبهم إلى الاسلام. فالحق لا يوصل اليه بطريق الباطل. واحذَرهم أن يميلوا بك من الحق إلى الباطل، كأن يصرفوك عما أُنزل اليك لتحكم بغيره.
أَخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس قال: قال كعب بن أسد وعبدالله بن صوريا وشاس بن قيس من زعماء اليهود: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه. فأتوه فقالوا: يا محمد، إنك عرفت أنّا أحبار اليهود واشرافهم وساداتهم، وأنّا إن اتّبعنانك اتبَعنا اليهودَ ولم يخالفونا. وأن بيننا وبين قومنا خصومةً، فنخاصمهم إليك فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدّقل. فأبى الرسول ذلك، فأنزل الله عز وجل فيه {وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله....} الآية.
فإن أعرضوا عن حكمك يا محمد بعد تحاكُمهم اليك، فاعلم ان الله إنما يريد أن يصيبهم بفساد أمورهم، لفسادِ نفوسهم، بسبب ذنوبهم التي ارتكبوها، ثم يجازيهم على أعمالهم في الآخرة.
وهذال النص يسمو بالشرع الاسلامي عن غيره، في الحكم بين الناس:
أولا لأنه يسمو بالأحكام العادلة عن ان تكون تابعة لأوضاع الناس، فهي حاكمة على أوضاع الناس بالخير والشر.
وثانيا: لأنه جعل باب القانون في الدولة واحداً لكل الناس ولكل الطبقات.
{أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ}
أيريد أولئك الخارجون عن أمر الله ونهيه ان يحكموا بأحكام الجاهلية التي لا عدل فيه ولا هدى، بل الحِيل والمداهنة!!
روي «ان بني النَّضِير، من اليهود، تحاكموا إلى الرسول الكريم في خصومة كانت بينهم وبين بني قُريضة. وقد طلب بعضُهم ان يجري الحكم وفق ما كان عليه أهل الجاهلية من التفاضل وجعل دية القرظي ضعفَي دية النضيري. فقال عليه الصلاة والسلام: القتلى براء، يعنى سواء. فقالوا: نحن لا نرضى بذلك. فانزل الله تعالى هذه الآية توبيخاً لهم. اذ كيف لهم وهم أهل كتاب وعلم أن يبغوا حكم الجاهلية».
قراءات:
قرأ ابن عامر {تبغون} بالتاء.


الولاية: التناصر والمحالفة. ومن يتولهم منكم: من يتخذهم أنصاراً وحلفاء.
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفّار معه ثلاثة أقسام.
قسم صالحهم ووادعهم على أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه أحدا ولا يوالوا عليه عدوه، وهم على دينهم آمنون على دمائهم وأموالهم.
وقسم حاربوه ونصبوا له العداوة.
وقسم تركوه فلم يصالحوه ولم يحاربوه، بل انتظروا إلامَ يؤول أمره أمر اعدائه.
وقد عامل الرسول كل طائفة من هؤلاء بما أمره الله به. فصالَح يهودَ المدينة، وكتب بينه وبينهم عهداً بكتاب. وكانوا ثلاثة طوائف هم: بنو قينقاع، وبنو النُضير، وبنو قريظة. فحاركبه بنو قينقاع بعد معركة بدْرٍ وأظهروا البغي والحسد. ثم نقض العهدَ بنو النُّضير بعد ذلك بستة أشهر. ثم نقض بنو قُريظة العهدَ لما خرج إلى غزوة الخندق، وكانوا أشد اليهود عداوة للنبي والاسلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير في تفسيره عن عطية بن سعد قال: «جاء الصحابي عبادة ابن الصامت، من الخزرج، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ان لي موالي من اليهود كثيرٌ عددُهم، وإني أبراُ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، واتولى الله ورسوله. وكان عبد الله بن أبي رأس المنافقين حاضراً، فقال: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من مولاة مواليّ. فقال له رسول الله: يا أبا الحباب، أرأيتَ الذي نفِستَ به من ولاء يهود على عُبادة، فهو لك دونه قال: اذنْ أقبَل». فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى}
يا أيها الّذين آمنوا، لا يحِلُّ لكم أن تتّخذوا اليهودَ ولا النصارى نُصراءَ لكم على أهل الإيمان بالله ورسوله، فمن اتخذَهم كذلك فهو منهم، واللهُ ورسوله بريئان منه.
{بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}.
ان اليهود بعضُهم أنصار بعض، والنصارى بعضهم أنصار بعض، وقد يتحالف اليهود والنصارى معاً، أما أن يتحالفوا أو يصدُقوا مع المسلمين فلا. وفي واقعنا الحاضر شاهد على ذلك.. ولقد نقض اليهود ما عقَده الرسول الكريم معهم من العهد من غير أن يبدأهم بقتال. وكذلك فعلت اوروبا في الحروب الصليبية، وتفعل امريكا اليوم مع كل من يطلب الحرية لشبعه، والمسلمين خاصة.
{إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين}
ان الله لا يهدي الذين يظلمون أنفسهم منكم بموالاة أعداء المؤمنين.
فإن اليهود بتدبير من النصارى، وبقوة سلاحهم أيضاً جاؤا واغتصبوا فلسطين وأجواء من سورية ومصر، بمعونة أمريكا وسلاحها ومالها، ولا يزالون في حماية امريكا. وحتى اوروبا والدول الغربية جميعاً فإنهم يعطِفون على اليهود أعداء العالم أجمع ونحن بحكم جهلنا، لا نزال نستنصر أمريكا وغيرها ونطلب المعونة منها، مع أننا لو اجتمعت كلمتُنا ووحّدنا صفوفنا، لما احتجنا إلى شيء من ذلك. ولكنّنا تفرّقنا، وبعُدنا عن ديننا ومزّقتنا الأهواء وحب المناصب. بذلك قوي اليهود من ضعفنا، فهم يهدّدوننا، ويهاجمون بلداننا وقرانا، ويعيثون في الأرض فسادا. هذا وكلُّ منّا يود المحافظة على منصبه ويبيع في سبيله كل ماعداه.
ثم أخبر سبحانه وتعالى أن فريقاً من ضعاف الإيمان يفعل ذلك فقال: {فترى الذين في قلوبهم مرض..} الآية 52.


هذا تصويرٌ لحال المنافقين وبعضِ ضعاف الإيمان في المدنية. لم يكونوا واثقين من نجاح دعوة الإسلام، فكانوا يوالون اليهود ويسارعون إلى ذلك كلّما سنحت لهم فرصة. لذا ورد قوله تعالى: {يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ} بمعنى إننا نخاف أن نتعرض لكارثة عامة فلا يساعدوننا. عسى الله يا محمد أن يحقق النصر لرسوله وللمسلمين على أعدائهم، أو يُظهر نفاق أولئك المنافقين، فيصبحوا نادمين آسفين على ما كتموا في نفوسهم من كفر وشك. وقد تحقق وعد الله بالنصر للمؤمنين.
كان هذا النداء موجهاً في الأصل إلى المسلمين في المدينة المنورة، لكنه جاء في الوقت ذاته موجّها لكل المسلمين في جميع أركان الأرض، وفي كل زمان ومكان. وقد أثبت التاريخ والواقع أن عِداء النصارى لهذا الدين وأهله في معظم بقاع الأرض لم يكن أقلَّ من عداء اليهود. وأكبر شاهدٍ هو ما يجري اليوم من دَعم أمريكا وأوروبا جميعها لليهود وتثبيتهم في فلسطين بكل ما يستطيعون من قوة ومال. فالنصارى بدافعٍ من تعصبهم قد حملوا للإسلام منذ ظهوره كلَّ عداوة وضغنٍ ولا يزالون. ولا نزال نعاني من الحروب الصليبية التي لم تنته إلى الآن. ولذلك فإن قوله تعالى: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} حقيقةٌ قائمة.
أما النصارى العرب الذين يعيشون معنا ولا يمالئون الأعداء ضدّنا فإنهم مواطنون في ديار الاسلام، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. والمعاملة التي يلقَونها أكبر شاهد على ذلك. بل إنهم في كثير من الحالات قد أخذوا وأكثرَ مما لهم. وحتى اليهودُ الذين يعيشون في البلاد العربية، فإنهم معزَّزون مكرمون ما داموا يخدمون المجتمع الذي يعيشون فيه ضمن القانون، ونحن عندما نطلق كلمة نصارى أو يهود نقصد بذلك أولئك المعتدين من الغربيين وغيرهم.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15